هل يرحم الشتاء العائلات التي لا ملجأ لديها سوى الحطب؟!
عشية حلول فصل الشتاء وبعد سنتَين من الظروف الضاغطة مالياً ومعيشياً نتيجة الإرتفاعات الحادة في أسعار المشتقات النفطية بسبب رفع الدعم، ولا سيما بالنسبة للمازوت والغاز المنزلي وما رافق ذلك من ارتفاع في أسعار الحطب وتأمينه إلى المنازل، وقف اللبنانيون عامّة والشماليون الذين يقطنون في المرتفعات حائرين يبحثون عن الحل الأنسب والأوفر لتدفئة بيوتهم وعائلاتهم وصغارهم، وباتوا يشعرون أن الخيارات تتساقط أمامهم وباتوا يدورون في حلقة مفرغة ولا شيء يبشر بالخير.
ولأن الخيارات باتت صعبة لا بل مقلقة مع إنخفاض القدرات الشرائية بشكل كبير جدًا، تحوّل تأمين التدفئة من الكماليات ومحصوراً بالطبقات الميسورة، فالطاقة الكهربائية لتشغيل وسائل التدفئة كلفتها شبه خيالية، ومادة المازوت إن وُجدت تحوّلت إلى عملات نادرة وكذلك الغاز المنزلي الذي بات يشابه الألماس أو الياقوت، لكن ماذا عن الحطب ووسائل التدفئة الأخرى؟ وهل المواطن اليوم قادر على شراء المدفأة قبل التفكير بشراء الحطب أو غيره، بعدما أصبحت الوسائل الأخرى التي يملكها من دون جدوى لعدم توفّر مصادر الطاقة لها؟
“أحوال” سعى لاستشراف أوضاع العائلات في هذه الورطة التي لا ترحم، حيث قالت ربّة المنزل، ليلى نقولا، “إن وسائل التدفئة التي اشتريناها سابقًا والتي تحتاج للغاز أو الكهرباء، لا جدوى منها اليوم وتحولت إلى ما يشبه الخردة بعد أن تم سحبها إلى أماكن التخزين، لأن الأسعار ترتفع أسبوعيًا وأحياناً مرتين أو ثلاث في الأسبوع الواحد، فيما الرواتب والمعاشات مستقرة حيث هي منذ سنوات، ولذلك بحثنا عن وسائل أخرى، فلم يكن أمامنا سوى شراء “صوبيا” تعمل على الحطب رغم سعرها المرتفع، ولكن يبقى أقل كلفة من الموارد الأخرى”، لافتة إلى أن “هذا الحل كان للتوفير في كلفة الاشتراك بمولد الكهرباء وفي أسعار الغاز لجهة استخدام الصوبيا، ليس في التدفئة فحسب، وإنّما في الطبخ وكأنّنا عدنا إلى العصور الوسطى”.
أما الموظفة نجاح يوسف التي تعيش في قرية جبلية، فقالت بحسرة: “نحن بحاجة أكثر لوسائل التدفئة كوننا في منطقة باردة، ولكننا لا نملك المال الكافي لشراء الحطب أو المازوت بأسعار السوق السوداء”، مضيفة: “زوجي يذهب أحيانًا ليجمع بعض الحطب ولكن قليلًا ما يجد شيئًا، في وقت نرى البعض من الذي يقومون بقطع جائر للأشجار دون حسيب أو رقيب، ويبيعون الحطب في السوق السوداء، فـ”العترة على الفقير” الذي لا يملك شيئًا”.
وتابعت كلامها مع تنهيدة عميقة: “ربما سنعود إلى “الدق” (أي مسحوق بقايا حبوب الزيتون بعد عصرها وتجفيفها) لنشتريه في حال كان قليل الكلفة في زمن الغلاء الذي نعيشه، لأنه وكما يقول المثل “على قد بساطك مد رجليك”، مع العلم أن مردوده للتدفئة ليس مرتفعاً وبخاصة في المرتفعات، حيث درجات البرودة مرتفعة وتحتاج إلى نار قوية، مع الأمل بأن تتحسن الأوضاع ويكون فصل الشتاء أقل برودة”.
أما بديع خالد، صاحب متجر فيقول مبتسمًا: “لا حل أمامنا سوى أن نبقى في بيوتنا تحت البطانيات، لأن واقعنا مرير جدًا ولا نستطيع بعد اليوم شراء اي شيء لا الضروري ولا غيره، ولكن رغم الألم يبقى الامل”، مضيفًا: “في المنزل لدينا صوبيا وقمت بشراء كمية محدودة من الحطب، ولكن لا أدري إذا كانت ستكفي لنهاية موسم الشتاء”.
ورغم الواقع المؤلم، تبقى الحلول المتواضعة هي الوحيدة الباقية أمام اللبنانيين، على أمل أن يمر هذا الفصل بأقل ضرر ممكن على المسنين والأطفال الذين هم أكثر عرضة للتأثر بالبرد والطقس السيء، وبخاصة في ظل الضائقة الاقتصادية والأحوال المعيشية، والكل يتضرع إلى ربه أن يكون فصل الشتاء رحوماً كي لا يضطر أحد أفراد العائلة للإنتقال إلى أي مستشفى “حيث البكاء وصريف الأسنان”.
مرسال الترس